3 فبراير 2018
جراحنا و الكتابة
حين تتوقف عن الكتابة لفترة من الزمن تعتريك
الكثير من العوارض التي لا تدرك حينها أنها منبثقة عن صمتك الذي لم تعتده. الكتابة
نمط من التفكير المركز، التفكير بصوت مقروء، أو لعله صوت تحسبه مسموعا حتى و إن لم
يقرأه أحد. ربما كان حينا كإلقاء لرسالة في زجاجة ترمى في البحر، أو توثيقا لموقف
أو رأي لم تسنح الفرصة لإبداءه تحدثا لمن ينبغي إبداؤه لهم. و حين نتساءل عمن يكون
هؤلاء، فهم أكثر أو أقل من أن يتم تعريفهم أو تحديدهم. لعله أشبه ببيان تعنونه
كلمة إلى من يهمه الأمر.
الكتابة نوع من الشكوى حينا أو التذمر
أحيانا، و لمن بدأ في كتابة المقال تذمرا في الصف الرابع الإبتدائي، فهي حتما جزء
من تركيب شخصيته التي بدأ يدركها حين انتصف به العمر وهي الدواء لكثير من علله
التي يتسبب بها الجمود كالوساوس و الهواجس و الخوف من الزمن. نعم، إن الطنين
الموجود في أدمغتنا إن لم نغط صداه بما هو أعلى منه وقعا، يتحول إلى وهن يصيب
أعصابنا و يشعرنا بالتهاوي.
نعم هي العودة للقلم أو لوحة المفاتيح إذا
شاء الله لها الإستمرارية بعد جمود طويل تخللته تغييرات مختلفة على المستوى
الشخصي، تركت آثارها التي لا تزول إلا بالكتابة و التواصل مع الأفكار الأخرى و
الأدمغة و الأحاسيس.
و من جهة أخرى فجراحنا التي لا تبرئها إلا
الكتابة أو التحدث، تكون بعضها جراحا على المستوى العام، مستوى الفكر، مستوى
الثقافة، مستوى العقيدة أو مستوى الواقع الإجتماعي. الحوادث التي تمر عليك فتتخذ
موقفا إزاءها بداخل دماغك المشحون فتضيف له زخما و إزدحاما إضافيا لا يمكنه تحمله
إلا بالتعاطي معه و تحويله إلى كلمات على يمكن للآخرين قراءتها و ربما التفاعل
معها في يوم من الأيام.
يقلقني اليوم حدثان رأيتهما رأي العين في
وسائل التواصل حول شخصين كانا يمارسان الفلسفة و الإبتداع فيما لا يمكن فيه إلا
استقراء النصوص، دون أن ينبري أحد لمناقشة سلوكهما هذا، أو التحذير منه أو تسميته
بمسماه الصحيح، حتى وقعا في محذور عجيب. لقد مر تصادمهما مع النصوص مرور الكرام، و
مر بعض التجديف دون أن يكون له صدى، بل انبرى البعض للدفاع عن حرية الفكر و إطلاق
المحامل الثمانين و التسعين و الألف بعد تكسر سبعين الخير.
كان المحذور الذي وقع فيه الإثنان في فترة
واحدة ليس مع النصوص، أو أصحاب النصوص، بل كان مع بعض الشخوص. حينها فقط أدركت أن
الشخوص الحاضرة من قادة سياسة أو أصحاب نفوذ داخل أسوار الجماعات و الطوائف، تمتلك
من القداسة ما يحول الأتباع إلى مجموعة من الموتورين الذين يرفعون سيوف التخطئة و
يخرجون شواهد كل سوابق الشخصين من التجديف بشكل واضح في حرب علنية. خروج هذه
الشواهد للعلن في حرب إعلامية تدل على أن الأتباع و قياداتهم لم يكونوا غافلين عن
أفكار هؤلاء، وإنما كانوا متغافلين، كانت النصوص حربا لا تهمهم، لكن برزت غيرتهم
مع أول تعد على الشخوص.
و بغض النظر عمن يكون هذان أو من يكون المتعرض
لتعديهما، فإن الأتباع قد تركوا ما سبق في حينه تغافلا و ربما تذرعا بأن للبيت ربا
يحميه، فتركوا حتى الرد على الأباطيل ما لم تمسهم أو تمس مقدساتهم الفعلية، ثم
انتفضوا و أخرجوا كل ما ذخروه غضبا لما انتهك من شخوصهم المقدسة. و على هذا و ذاك،
سنجد من يطالب بالتروي في الحكم على آراء هؤلاء حاضرا إلى أن يعلو صوت الموتورين،
فسنرى هؤلاء المتعيقلين تخفت نبرتهم، لأنهم يعرفون حق المعرفة أن للشخوص و لود و سواع
و نسر ما ليس للنص ولا لنوح و لإبراهيم، إن لهم أتباعا يغضبون لهم و يغارون عليهم
و يقرعون طبول الحرب التي يحس بقرعها الأصم قبل ذي السمع.
هل حان أن نفيق من الغشوة و نعلم أن لنا دورا
في استشراء الأدواء بسبب صمتنا حتى عن التفكير فيما يهرف كل من لا عقل له برأي لا
حجة فيه ولا برهان تحت عنوان حرية الفكر فتتلقفه الأذهان الضعيفة و الأحلام
الخفيفة ثم تنتفخ ذوات هؤلاء اللاأشياء فيظنون أنهم فرسان الميدان و مقارعو
الشجعان و من ليس لهم نظراء ولا أقران.
آخر الوحي:
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى
و غالب لنا غلاب كل مغالب
و سلم إلينا أحمدا و اكفلن لنا
بنيا ولا تحفل بقول المعاتب
فقلت لهم الله ربي و ناصري
على كل باغ من لؤي ابن غالب
منسوب لأبي طالب