على غرار الكتاب الشهير الذي شغل الدنيا و
الناس، الكتاب الذي حاول إيصال فكرته عن طريق هذا التشبيه، "الرجال من المريخ
و النساء من الزهرة"، حاول هذا الكتاب أن يوصل للقراء و تمكن من ذلك بشكل
كبير، من أن الرجال و النساء يفكرون بطريقة مختلفة و يعبرون عن أنفسهم بطريقة
مختلفة، و يتواصلون في علاقاتهم الإنسانية بطريقة مختلفة. على غرار هذا العنوان،
خرج على عالمنا الإسلامي و بصورة أكبر في دولنا العربية من يحاول إقناع الناس بأن
الطوائف الإسلامية أتت من كواكب مختلفة، و ربما ذهب إلى أبعد من الإقناع.
و رغم أنني لا أشك بتاتا أن الإتجاهات
المتشددة و المتعصبة و الداعية إلى القتال والفرقة بين طوائف المسلمين و مذاهبهم
هي بالفعل قد أتتنا إن لم يكن من خارج هذا الكوكب "خارج الإنسانية" فهي
على الأقل قد جاءتنا من خارج الإسلام و مبادئه و التراث الأصيل من العيش المشترك.
لا شك أن هذه الفرق الدموية قد جاءتنا كنتاج للتأثر بأفكار و قوى غير متصفة
بالتدين بل لا أقول التأثر و إنما الإرتباط الإستراتيجي في نشأتها و استمراريتها.
هذه الإتجاهات الباغية على الناس عموما و ليس
على المسلمين أو بعضهم خصوصا، قد حملت معها ثقافة تكفير الآخر أي آخر و تفجير
الآخر أيا كان و قتل من يعتبر خصما، سواء كان نداً أو شيخا كبيرا أو طفلا أو
امرأة. و هذه الإتجاهات لا يصح عليها لفظ طوائف، بل هي كمجموعات مسلحة يصح عليها
لفظ عصابات إجرامية تعيث في الأرض فسادا، لا أقل ولا أكثر.
ولا أعتقد أن أحدا يشتبه عليه أمر أمثال
هؤلاء سواء حملوا شعارات ظاهرها الإسلام، أو كانت مجموعات تدعي الدفاع عن
المسيحية، أو مجموعات عنصرية ضد أعراق معينة. كل هذه المجموعات التي تتحرك تحت هذه
العناوين هي عصابات إجرامية تعمل لأهداف معينة و بإرتباطات دولية لتحقيق أهداف
معينة عبر ذرائع لا يمكن للجيوش النظامية حملها.
الأمر مفهوم تماما في هذه الصورة، أما غير
المفهوم أن يخرج علينا الفكر و الإعلام المضلل و السياسة الذي يحاول بعد قرون من نشأة المذاهب الإسلامية
و تعايشها الطبيعي أن يخبر طائفة من المسلمين أن طائفة أخرى قد أتت من كوكب آخر، و
كأنهم ليسو أناسا من لحم و دم، يأكلون و يشربون و يعيشون و يعمرون. يتكلم الإعلام
عن طائفة ما بإعتبارها حاضنا للخيانة و العمالة، و بكل صدق فإن ما أنقله عن كلام
الإعلام المضلل الكاذب لا ينطبق على طائفة دون أخرى، فلكل قوم من يلمزهم و يتهمهم
و يتجنى عليهم.
و بكل بساطة فإن الإنسان إذا قبل أن يكون
الآخر كل الآخر من المريخ، فبالتأكيد لن يكون هو من الأرض، إذا أنت تعاملت مع
الآخر بإعتباره مستذئبا تستحل حرمه، فلن يعتبرك إلا مصاص دماء خطر بقاؤه. و
بالنتيجة فإن الإثنين يكونان غير أرضيين، لا يجمعهم حتى رحم الإنتماء لطين الأرض.
و بالتأكيد فإن هذا الكلام و هذه النتيجة هو ما يراد له أن يكون سائغا و مقبولا
ليتمسك كل طرف بهويته المريخية و الزهرية بعيدا عن النسب الأرضي.
فلنأخذ البحرين مثالا، كيف من الممكن أن يقبل
الناس و المؤسسات خطابا على رؤوس الأشهاد يقف فيه متنطع يصف بعض أهل هذه الأرض في
نسبهم و عرضهم بأقذع الأوصاف و الشتائم؟ متجاوزا تاريخا طويلا من العلاقات
الإنسانية الجميلة لا يستطيع مثله فهمه؟ يأتي ليقول للناس أن إخوتكم جاؤوا من
الزهرة أو المريخ؟
و الأمر لا يقتصر على خطيب، بل يتجاوزه إلى
كاتب و إعلامي و نائب و اذكر ما شئت من صنوف الوظائف و الأدوار ممن حملوا شعار
التفرقة الطائفية عن علم أو جهل، مسببين بذلك أن يستنفر العامة و يستقطب العامة و
يحصل الهرج و المرج و مقدمات من التوتر كادت أن تؤدي إلى مالا يحمد عقباه. اليوم
ربما وصم كلام الساسة الأمريكان و غيرهم بالمبالغة و دفع بدفوعات مختلفة فقط
لإخراج البحرين من المقارنة مع الدول التي تعيش احترابا و من المبالغة، و إلا فإنه
لا الشعبيون ولا الرسميون في البحرين ينكرون وجود خطاب في فترة من الفترات لا يخدم
السلم الأهلي.
اليوم أعتقد أن الجميع يعي خطورة الخطاب
الداعي إلى التمييز أو التصارع بين فئات المجتمع تحت عناوين طائفية و عنصرية، ولكن
قيل قديما أن ألفا ممن يعمر لا يمكنهم الإنجاز لو وجد واحد ممن يهدم يفسد عملهم.
آخر الوحي:
ذرني و أشجاني و جسمي و الضنى
و يدي و أقلامي و طرفي و السهر
أأبيت ألهو والهموم تحيط بي
وأنام عن قومي و قومي في خطر
صوت المصفق موعد مابيننا
ماذا أقول لهم إذا الديك استحر؟
إيليا أبو ماضي