في أكثر من مرة سافرت جواً و أحسست بتوتر الركاب لسبب ما و خوفهم من وقوع شئ ما، يؤدي بهم إلى ما لا يحمدون عقباه. هناك من يستخدمون الكيس الورقي الموجود في المقعد عند ركوبهم الطائرة و هناك من يغمض عينيه و هناك من يتجنب السفر بالطائرة. إلا أنني لم أشعر بذلك كله إلا حين يكون هناك مطبات جوية أو إحساس بوجود خلل ما في الطائرة.
في المرة الأخيرة شعرت أن أمراً غريباً يحصل، إذ لا يعقل أن لا يكون هناك شئ من الخوف، و لذلك قمت بالتفكير في حقيقة ما يحصل، حاولت قدر الإمكان عدم الإنفصال عن الواقع. و الواقع و معطياته يقولان أنني جالس في كرسي داخل مقصورة معدنية تسير بين الغيوم، معلقة بين السماء و الأرض، معرضة لكل العوامل الجوية و الفنية و القدرية التي قد تجعلها تتهاوى، و حين تتهاوى فالنتيجة الحتمية هي الدخول إلى العالم الآخر من أوسع أبوابه !! ليس خوفاً بالقدر الكافي رغم ما استشعرته نفسي من رهبة. لعله قد تكونت في النفس حواجز تمنع الشعور بحقيقة ما تواجهه من موقف خطير، أو هي آلية دفاعية لتجنب التفكير في ما قد يخيف.
هنا تساءلت عن ماهية ما يسمى بالشجاعة، هل الشجاعة تكمن في تجاهل العواقب؟ أم أن الشجاعة تكمن في استصغار الهلاك؟ هل هي بالإنفصال عن التفكير في الظروف المحيطة؟ هل الشجاعة ناجمة عن الجهل التام أو تمام المعرفة، هل هي طيش شديد أم أنها تفكير عميق؟ ما الذي يقتل غريزة بالغة الأهمية كغريزة البقاء؟
هل هو استصغار للنفس التي يرعاها الإنسان ليله و نهاره ؟ أم أنه وعي بعدم قدرته على الحفاظ عليها و أن أمرها ليس بيده؟ أو لأنه يرى هدفه السامي في إفنائها بأكبر ما قد تحققه من قيمة مثالية؟
ينطبق هذا أيضاً على الكرم، فالمال عديل الروح، و لا يمكن أن يسمى السفه كرماً، لا بد أن يكون البذل عن وعي تام و إلا خالف أصول العقل بل حتى خالف القدر السامي لقيمة الكرم و ما كان لها أي مكانة و لا عدت مكرمة لحاملها.
حتى الحزن عند الفقد، هل هو حزن وفاء و ألم لأن الفقيد غادر حياته أم لأنه غادرنا و خسرناه نحن، هل هو إيثار منا أم استئثار؟