الخميس، 10 يناير 2013

وداعاً أباعلي




الخميس 10 يناير 2013

وداعاً أبا علي


لم يكن ليتأكد لي أن آخر أربعاء في شهر صفر هو يوم منحوس أو أنحس أيام السنة كما كان أمس. فبعد أن خرجت صبيحة ذلك اليوم متعوذاً من شره، و مرت أول السويعات بسلام جعلني أتناسى هذا الإستيحاش، وجدت الهاتف يضج برسائل شتى، و وجدت أكثرها تكراراً خبر رحيلك عن الدنيا عبر محطة الكاظمية. لحظة صمت و صدمة ثم نشيج مكتوم و السيارة تمضي بي إلى وجهتي إلى أن توقفت غير مصدق. فلكم كنت تضج بالحياة لتتعاظم الصدمة بالخبر، و لكن مع كل راحل متعجل يتأكد أمر هو أن الدنيا ليست دار سكنى الطيبين الذين حالما تصل عذوبتهم إلى ذلك الحد فسرعان ما تطالب الآخرة بهم لينتقلوا إليها. نعم كان يوما منحوساً لمن أحبوك، و لكنه بلا شك يوم سعدك أن ترحل بهذه الخاتمة التي لا نرجو لك بعدها إلا الإلتحاق بمن سألت الله بحقهم أن يلحقك بهم. صدقني تذكرت حينها رجلاً مؤمناً وافاه الأجل و هو في طريقه لعيادة أبيه المريض و آخر على أعتاب الجامع حتماً تعرفهم و ربما كنتم الآن تحلقون جميعاً في وادي السلام و إن إختلفت محطات السفر.

أباعلي، لم أكن لصيقاً بك كما سواي، و لكن صدقني لا أظن أحداً سمع بنبأ رحيلك إلا و أصابته الصدمة، و أهل البلدة كلهم يعيشون وقعها، بل كل من عرفك، فهنيئاً لك أيضاً بهذه المحبة الصادقة التي نبضت بها قلوب الناس جميعاً تجاهك، و إنك لحقيق بها، فلقد بذرتها و سقيتها و تعهدتها حتى ارتفعت أغصانها وأزهرت براعمها. و كيف لنا أن نتعجب من هذا الحب كله لك و أنت الذي كان محياك يشرق بالبسمة و ثغرك يصدح باللطف و التودد للصغير و الكبير و قلبك ينبض بالحب. كان كل صغير إبن أختك و كل كبير عمك.

أباعلي ما سر هذه المودة غير أنك كنت لا تحجبك الفكرة عن العاطفة، و لم تكن أبداً تعيش مع أي فرد عقدة فارق السن، و أخال أينا حين يعبر عنك و هو يروي حادثة ما بالصديق، رغم أن الكثير من محبيك هم بلا شك في عمر أبنائك. لقد كسرت كل الحواجز الباردة  لتصل إلى دفء مشاعر القلوب، و لكن سأصدقك في هذه، إن البسمة التي زرعتها بأريحيتك قد انتزعها بقسوة نبأ رحيلك. و ها أنا أخط هذه الكلمات تعبيراً عن بعض تلك المحبة الصادقة التي زرعتها ثم لم يكن ليظهرها إلا وقع رحيلك المتعجل.

نم هنيئاً أيها العم بجوار أمير المؤمنين الذي ذبت في عشقه حتى سميت كل أبنائك بإسمه و أفنيت سنينك في خدمة محبيه، تقبل الله منك عملك بأحسن القبول و تغمدك بواسع رحمته و أسكنك الفسيح من جنته بصحبة محمد و آل بيته الطاهرين صلواته عليهم أجمعين و ألهم أهلك و محبيك الصبر و السلوان .



إلى رحمة الله أيها الحاج عبدالحسن العاشوري، و وداعاً أبا علي...